البصّاقون والسلطة المحدودبة

البصّاقون والسلطة المحدودبة

  • البصّاقون والسلطة المحدودبة

اخرى قبل 5 سنة

البصّاقون والسلطة المحدودبة

بكر أبوبكر

سأضع جانبا كل التهم المعيبة، والقذائف الكلامية التي وصلت الى حد الشطط، وسأترك الشتائم باهظة الثمن سياسيا وانسانيا ووطنيا ضد حركة فتح وضد الرئيس وضد أنفسنا، فلا أزعجكم بقراءتها.

سأترك تلك الشتائم المرعبة التي أجبر المخرّصون أنفسهم لابتلاعها، ثم بصقها في وجه الجمهور! وكأنهم يعبّرون عن حقيقة مرض أو حقد لا يمكن برؤه الا بالبصق! سأتركها جانبا.

أترك في هذا المقال التعليق على نوع الشتائم المتكررة في كل المراحل وأضعها جانبا، وهي الشتائم التي تؤسس لمدرسة خاصة بذلك!

انها مدرسة الموبوئين التي تعني انتقال عدوى الشتائم أو السًّباب في المجتمع، لتصبح البصقات فقط هي آلية الحوار بين الناس-ان جاز اعتبارها من الحوار أصلا-، فيجنحون نحو اعتناق مذهب "السّباب" و"الإمعية"، وهو مذهب "الرأي والرأي الآخر" الذي يمتدح الكبائر في قناة الجزيرة.

في هذا المذهب البصاقي الشتائمي فإن "السبّابين" لا يتوبون، رغم تحذيرات علي بن ابي طالب رضي الله عنه المغلّظة حين قال لهم: "لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجّة."

سنضع جانبا كل سيل الحقد في القلوب أو القذى النازف من العيون، لنفهم أننا في حقيقة الامر تحت احتلال سواء في الضفة الغربية أو في غزة، بل وأكثر.

نعم مازلنا تحت احتلال، ومازال الاحتلال والاستعمار يا سادة يا كرام يمثل التناقض الرئيس أمامنا، وليس تناقضنا مطلقا هو الصراع المقيت على السلطة المشوهة المحدودة المحدودبة امام دولارات تدخل غزة، او أمام حواجز تنخر الضفة، او أمام استيطان استعماري يطردنا من ارضنا ومستعمرات تتعب الأرض مقابل اغتصاب الأرض والبحر والسماء في غزة.

مهما علت الأصوات وزمجرت بأننا أصحاب مقاومة ما كان قبلها ولا بعدها؟! وأنتم أصحاب مساومة! أوالأصوات بالعكس أننا نقاوم شعبيا وانتم تستغلون الدين لاجل كرسي وثير، انتظارا لهبات الرب لعله يلقي علينا المن والسلوى كما ألقاها على بني اسرائيل العرب المنقرضين وما الله بفاعل جل وعلا ، أقول مهما علت مثل هذه الصيحات فإننا لا يمكن أن نكسب احترام الذات والآخرين الا بالعودة للجامع الأكبر.

مع ظهور الاسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك محل للقول "ان للبيت رب يحميه" فنحن من يحمي بيتنا في فلسطين، فكيف إن كان أصحاب الدار يختلفون فقط حول من يمسك المفتاح، مفتاح الغرفة وليس البيت! والبيت جله ليس معنا، بل وتتردى الأمور بالمتقاتلين على المفتاح لجزء من البيت، أنهم يتقاذفون بالكراسي وقنابل الصوت دونا عمن يحتل البيت!

لنفترض جدلا صحة الادعاءات القادمة من الشتامين البصاقين الذين لا نذكر أسماءهم أبدا هنا، فهم والناس تعرفهم قد أغرقوا الفضائيات ومواقع لتواصل ببصاقهم، فلن نعيد هنا ذكر أسمائهم فهم لا يتقنون من فن الحوار الا البصق، هذا على مظنة أن البصق من فن الحوار!

وهذا على مظنة أن التشاتم المفضي الى البغض أولى من التركيز على العدو الرئيس الذي يحتل غزة والضفة وكل فلسطين، ويحتل فينا العقل والثقافة والوعي الى الدرجة التي نصفق فيها لدخول الأموال الى غزة بالموافقة الاسرائيلية الصريحة، ونشتري من محلات الاقتصادي الصهيوني المدمر لاقتصادنا "رامي ليفي" دون حرج، ونكتب يافطات محلاتنا في رام الله بغير اللغة العربية.

هل وصلنا الى الدرجة التي نطبّل فيها للثمار الاسرائيلية في غزة!؟ فلا نقاوم كما لانفعل بالضفة أيضا؟

ما هكذا يا سادة تُفهم المقاومة -أو النضال- فهي ليست رصاصات أو صاروخ أو حجر يلقى بموسم من المواسم فقط او تظاهرة مع زفة عريس وعروس، وانما هي منهج حياة وثقافة شعب وخيار مصيري لا رجعة عنه بالكلمة والريشة والمعول والسلاح ، وبفهم الأولوية والنفس، وفي البيت والحقل والمدرسة والجامعة والوظيفة، وفي الفضاء العقلي والروحي، في منهج المقاومة، بل وفي الداخل والخارج معا.

أنا –ونحن- أقبل الجميع وأجعلهم قطعة من روحي، وأقبل كل الأساليب المقاومة للعدو الرئيس، ولا أغض النظر عن أقل التضحيات، ولا أميز أبدا وفق منطق البُغض التنظيمي فكل في إطار المنهج الجهادي النضالي الكفاحي مطلوب أن يعمل.

لنفترض جدلا صحة الاتهامات المجدولة والتي تظهر كلما اكتأب الوضع الفلسطيني، اوانفجرت التحالفات الاقليمية، أو كلما أوعزت راعية الارهاب الأولى في العالم أي امريكا لهذا أو ذاك أن تحركوا، وهي الاتهامات التي تُساق دوما ضد الرئيس أبومازن أو ضد حركة فتح والتي أصبحت منذ زمن مصنفة في خانة ثلاثية التكفير والتخوين والتشهير.

لنفترض جدلا صحتها- وسنترك العبارات الشاذة جانبا- لنقول لنفترض جدلا صحة الاتهامات بالديكتاتورية والاستبداد والتنسيق الامني الأحادي (أي دونا عن غزة والتنسيق والهدنة طويلة الامد) والقرارات ضد الشعب والامة الخ مما حفلت به السطور أو امتلات به معدة كل بصّاق للاتهامات بصيغتها الغثة!

لنفترض ذلك، أفلا نعي وعيا كاملا اننا بمواجهة مجزرة وطنية قادمة! بل وللأمة بأكملها، أم أننا لا نرى المستقبل ولا نستطيع أن نقرأ الواقع الا من نظرة لا ترى أبعد من أنفها، تفهم الواقع والمستقبل فقط بما يخدم دوام الحال البائس الكئيب المتساقط فقط! أي ديمومة السلطة المحدودبة مبتورة الأرجل والأيدي سواء هنا أم هناك! سيان.

دعونا ندرك النقص الفظيع في مجال الرؤيا الذي نراه في لهجة أولئك البصّاقين تهما وشتائما وتخوينا وتكفيرا ما يجعل المجتمع ينطلق من حالة الغضب على الاحتلال الى حالة الاحتقان والتباغض الداخلي خدمة للاحتلال فقط.

انهم يجعلون من مقعدهم الأرضي ذو أولوية على ما عداه استجابة لخرافة أهل الحق والباطل أو خرافة الفسطاطين-المعسكرين-نحن او هم، وما كان بالسياسة الا التوافقات حيث نتفق كثيرا ونختلف كثيرا،باحترام، وجامعنا الأكبر هي فلسطين وهي المظلة او الخيمة الكبرى ممثلة بدولة فلسطين القادمة.

لنفترض جدلا صحة الاتهامات، أفلا نرى مقدار الايجابيات ممن نتهمه ونسعى لاسقاطه أوعزله، وعلى فكرة هو لن يعزل أو يسقط فهو رئيس المنظمة وانتخب بالامس فقط، وهي أي المنظمة من وافقت ويمكنها أن تلغي "اتفاقية أوسلو" التي منها مجلس أوسلو التشريعي .

أفلا نرى مقدار الايجابيات ممن نتهمه ونسعى لاسقاطه وكأنه قادم من كوكب آخر وهو-لو نظروا حتى من زاوية حزبية ضيقة- من حمى ظهرهم في الأمم المتحدة؟ فلم يقبل القذف بهم في صندوق الارهاب، وكرر الرفض تكرارا تماشى مع رفضه قطع الرواتب عن الأسرى والشهداء وتكرر مع رفضه المطلق لأسر القدس بين مخالب المفاهيم الصهيونية الامريكية ورفضه المطلق للسياسة الامريكية الرعناء.

كيف نقبل الاستبداد والديكتاتورية وغيرها من المفاهيم التي تلقى تهمة في وجه أبومازن وحده، ونحن نمارس ذات الأسلوب وإن بأشد الطرق داخل تنظيمنا-تنظيماتنا، "كما تكونوا يولى عليكم"، فنتقبل الاستبداد، لأنه منّا نحن المغلفون بالقداسة او الكرامة أو الحق الأبلج، ولا نقبله من ابن جلدتنا لمجرد أنه خارج فقاعتنا.

أما كان الأجدر بالبصّاقين أن يحتفظوا بسعة صدورهم، بدلا من أن يهلكوها بالبصاق، فيتأهبون للمعركة القادمة، وهي قادمة فعلا، فيندرجون تحت عباءة الوحدة الوطنية مهما كان الثمن. فلا يبيعون مواقفهم لدول لا تهمها الا مصالحها في الاقليم والتاريخ عليها شاهد.

لقد تبجح "نتنياهو" بالامس فقط أنه يمنع قيام الدولة الفلسطينية، وذلك في معرض رده على مطالب بمحاكمته بالفساد قبل الانتخابات المبكرة، فاعتبر هذا أهم منجزاته فكيف تفقهون؟ أوليس الحكم الذاتي المحدودب في غزة الذي يلقى حقن الأموال هو من منجزات "نتنياهو" كما هي المستوطنات المتكاثرة كما قال أيضا؟

أما كان الأجدر بهم، جميعا، بعد قرار المحكمة حل التشريعي الذي انتهت صلاحيته منذ وافق بل وبصم على الانقلاب الدموي عام 2007 فجرى الدم الشريف في وديان الحزبية البغيضة والمقدس المدنس، أن يلتزموا بالقرار -ويعبروا عن رفضه قانونيا أو سياسيا- ولكن يدعون الرئيس لاجراء الانتخابات؟ أو يهللون لالغاء التشريعي ويدعون لإطار جديد غير أوسلوي؟!

أما كان الاجدر بهم أن يشكروا من وقف وحيدا طريدا –وغدا شهيدا باذن الله- في وجه امبراطورية الشر في العالم، وقال لا وألف لا وهم يقولون نعم في تناقضهم العجيب!

اما كان الأجدر بالبصاقين حقدا، والمستنزفين أقلامهم أو حناجرهم أن يتوبوا الى الله، ويستغفرون زلاتهم فيستسمحون فلسطين أولا، والشعب كله ثانيا، أما كان الأجدر بهم أن يثوبوا الى رشدهم فيدركون أن التناقض الداخلي هو دوما ثانوي، ما قد يدعوني للتخلي عن كثير، ومنه أوحدية رأيي او صوابيتي التي لا شك بها أو غير ذلك.

https://www.facebook.com/baker.abubaker

 

التعليقات على خبر: البصّاقون والسلطة المحدودبة

حمل التطبيق الأن