القدس

تحت الحكم الصليبي:

  • تحت الحكم الصليبي:

اخرى قبل 5 سنة

 

وعلى نقيض التسامح الإسلامي الذي فرض السلام والأمن وحقق العدل والرعاية والحق لكل من وجدهم الإسلام في بيت المقدس.. أجل.. على النقيض من ذلك ما إن دخل الصليبيون بيت المقدس حتى عقدوا أول اجتماع لـ (ديوان المشورة العسكرية) قرروا فيه قتل كل مسلم بقى حيا فيها ، ويستمر تنفيذ الإعدام الصليبي أسبوعا كاملا سجله المؤرخون النصارى بقولهم : "إن الدماء وصلت في رواق المسجد حتى الركب".

 

ويقول مؤرخ نصراني آخر: "لم يوفر الصليبيون أحدا من سيوفهم لا من الرجال ولا من النساء والعجزة ولا من الأطفال وظن المسلمون أن مسجد عمر يحميهم من الموت ولكن ظنهم خاب إذ إن الصليبيين لحقوا بهم خيالة ومشاة ودخلوا المسجد المذكور وأبادوا كل من وجدوه فيه بحد السيف".

 

ويقول كاتب نصراني آخر: "لم يميز النصارى في إبادتهم بين رجل وامرأة وبين صغير وكبير وراحوا يتباهون بأنهم قتلوا سبعين ألفا من المسلمين وأنهم لم يغمدوا سيوفهم قبل أن تخمد نار الانتقام المتأججة في قلوبهم".

 

والغريب أنه لما شاء الله أن تقهر هذه الغارة البربرية الصليبية وظهر صلاح الدين الأيوبي. الذي أعاد القدس إلى الإسلام وكانت لديه الدوافع القوية للانتقام بكل معنى الكلمة نظرا لما ارتكبه النصارى من جرائم لا تحصى ولا تليق بإنسانية الإنسان طيلة الغزوة الصليبية.

 

الغريب أن صلاح الدين ـ باعتراف كل مؤرخي النصارى بلا استثناء ـ لم يحاول أن يتشفى أو ينتقم.. بل استولى على القدس دون أن ينتهك حرمة كنيسة واحدة ودون أن يقتل لاجئا واحدا إلى أية كنيسة ودون اعتداء على طفل أو شيخ أو عجوز.

 

والأغرب من ذلك ما فعله صلاح الدين ـ خضوعا للتسامح الإسلامي الرفيع ـ حين وقع الصليبيون بالقدس في يده أسرى.. ومع أن الذاكرة التاريخية لصلاح الدين تعي ما حدث لدماء سبعين ألفا من المسلمين تباهي الصليبيون بأنه أخمدوا بها نار الانتقام المتأججة في صدورهم ـ إلا أن صلاح الدين مع ذلك أبدى من ضروب التسامح الإسلامي ما أبقى ذكره خالدا في التاريخ الإنساني كله باعتراف النصارى قبل المسلمين.

 

يقول المؤرخ الصليبي "أرنولد" الذي كان حاضرا ذلك اليوم المشهود: "لقد تقدم العادل إلى أخيه صلاح الدين يستوهبه ألفا من هؤلاء الأرقاء فأجابة السلطان ، ثم استوهبه بليسان (الأمير) والبطريرك مثل العادل فأجابهما ، وهنا التفت صلاح الدين إلى الحاضرين وقال:

 

لقد أدى أخي صدقته وكذلك فعل الأمير والبطريرك والآن جاء دوري لتأدية صدقتي أنا.. فأمر رجالا من حرسه أن ينطلقوا وينادوا في شوارع القدس : أن كل عاجز عن دفع الفداء يستطيع أن يخرج وأنه حر لوجه الله.."

 

ويقول المؤرخ الإنجليزي "كوكس" لقد لاقى اللاتينيون من رحمة صلاح الدين وتلطفه وإنعامه فوق ما انتظروا ومن المؤكد أن مثل هذه المعاهدة لو عقدت في زمن "بطرس الناسك" و"جود فري" لخرقت ساعة النصر وانصب الويل على المغلوب.

 

إن هذه هي الحقيقة التي يعترف بها الإنجليزي "كوكس " لكن الذي لم يدركه "كوكس" هو أن القضية ليست فرقا بين صلاح الدين وبطرس الناسك لكنها (الفرق الكبير) بين تاريخ المسلمين وتاريخ غيرهم ، وبين معاملة المسلمين لمخالفيهم ومعاملة غيرهم من الأمم ـ ولا سيما النصارى لمخالفيهم.

 

والحق أننا لا نقول شعارات متعصبة بل نقول حقائق تاريخية ثابتة فعبر أربعة عشر قرنا من الزمان هي عمر الإسلام على الأرض لم يجد المسلمون فيها صورة من صور التسامح من اليهود والنصارى عندما تتحقق لهم الفرصة التاريخية، إن بينهم من الإحن والأحقاد الكثير الذي يختفي في مرحلتنا هذه تحت عباءة المصلحة الطارئة في هذا المنعطف التاريخي الكلوح ... لكنهم ـ مجتمعين أو منفردين ـ لم تسنح لهم فرصة لإبادة المسلمين إلا واهتبلوها.. هكذا فعلوا بالمسلمين في الأندلس وهكذا فعلوا بهم في جزر البحر الأبيض. وهكذا فعلوا بهم في الفلبين على يد الاستعماريين الأسبان والأمريكيين وهكذا يفعلون اليوم بالمسلمين في البوسنة والهرسك وفلسطين وأوربا الشرقية وآسيا الوسطى وفي غيرها من البلاد التي تمكنوا منها ،بل ويتعاونون حتى مع الوثنيين في العالم كله ضد الإسلام.. دين الحب والرحمة والتسامح.

 

أما تاريخ الإسلام مع غير المسلمين من أهل الكتاب فهو أشرف صفحة في تاريخ البشر لا يجادل فيها إلا كل موتور وجاهل أو مريض أو ظالم لا سبيل إلى أن يبصر الحق.

 

إن تاريخ المسلمين مع أنفسهم أو مع مخالفيهم ليس تاريخ ملائكة معصومين، لكنه ـ مع أنه تاريخ بشر يصيبون ويخطئون ـ هو أشرف وأزكى تاريخ عرفته البشرية في اعترافه بالآخرين وفي حواره الحضاري وفي تقديره النبيل لحقوق الإنسانية من زاوية إنسانيتها المجردة مهما كان عقيدتها أو لونها أو جنسها، فالناس سواسية كأسنان المشط وكلهم لآدم وآدم من تراب

.

التعليقات على خبر: تحت الحكم الصليبي:

حمل التطبيق الأن