ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟

«في معية الحرس الثوري».. ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟

  • «في معية الحرس الثوري».. ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟
  • «في معية الحرس الثوري».. ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟

دولي قبل 5 سنة

«في معية الحرس الثوري».. ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟

بعد وصول قابوس إلى السلطة في عام 1970، كانت إيران في عهد الشاه هي الدولة الثالثة التي تعترف به بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وحين واجه السلطان تمرُّدًا في محافظة ظفار، تعود جذوره إلى عام 1962، اضطر إلى استمطار العون من الخارج، فقدمت المملكة المتحدة مساعدة تدريبية لقوات السلطان الجديد، وقدمت السعودية والإمارات والكويت مساعدة مالية، أما القوات العسكرية فكان الشاه محمد رضا بهلوي هو الذي أرسلها في عام 1973 بناءً على طلب قابوس، وبقيت القوات الإيرانية هناك حتى عام 1977.

تشير التقديرات إلى أن 15 ألف جندي إيراني قاتلوا في ظفار. لم يُكشَف عن عدد الضحايا الإيرانيين رسميًا، لكن مصادر مختلفة قدرت العدد بحوالي 700 قتيل و1400 جريح. ربما لا يوجد ما يُظهِر مدى الامتنان الذي شعر به قابوس تجاه هذه المساعدة الإيرانية العسكرية الحاسمة أكثر من كلمات السلطان نفسه: «أنا مدين بسلطنتي للشهداء الإيرانيين الذين رووا بدمائهم تراب عمان».

«رغم مرور سنوات عديدة، ظل السلطان دائمًا شديد الامتنان لتلك المساعدة الإيرانية»، كما يقول الأكاديمي والسياسي الإيراني علي أكبر صالحي في مذكراته. وظل السلطان حريصًا على توجيه الشكر المستمر لخلفاء الشاه على ما فعله لإنقاذ عرشه.

على سبيل المثال، عندما زار الناطق باسم البرلمان الإيراني، علي أكبر ناطق نوري، عُمان عام 1998، قال له السلطان: «عندما واجهتنا صعوبات مددتم لنا يد العون، ونحن نعتقد أن الدفاع عنكم هو واجبنا تجاهكم»، حسبما ورد في مذكرات محمد الصدر ، نائب وزير الخارجية للشئون العربية والأفريقية في عهد الرئيس خاتمي، المنشورة في عام 2017.

جذور التعاون العسكري بين إيران وعمان

بعد قيام الثورة في مستهل عام 1979، سرعان ما أرسلت عُمان وكيل وزارة خارجيتها إلى طهران في يونيو (حزيران) 1979؛ لضمان بقاء الاتفاقات السابقة بين البلدين قائمة على حالها. وحتى بعدما تغيرت الديناميات الإقليمية بعد الثورة، وبدأت إيران في الترويج لأفكارها الثورية التي تعتبرها معظم دول الخليج تهديدًا مباشرا لأمنها، تبنت سلطنة عمان، على عكس جيرانها الخليجيين، استراتيجية تواصلية لا عدائية مع طهران.

وعلى مر السنوات، واصلت عُمان تنسيق أنشطتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع إيران، انطلاقًا من العلاقات الثنائية الوثيقة التي ترسخت بإرسال الشاه آلاف الجنود ومروحيات هجومية إلى ظفار للمساعدة في إخماد الانتفاضة القبلية.

مرّت مياه كثيرة تحت الجسور، وفي معية السفن الحربية التابعة للبحرية الإيرانية وبصحبة قوات الحرس الثوري، زار مسؤولون عسكريون إيرانيون رفيعو المستوى عمان، ووقعوا مع نظرائهم في مسقط مذكرة تفاهم بتاريخ 19 أبريل (نيسان) 2019 لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات العسكرية.

أجرى الوفد العسكري الإيراني عددًا من اللقاءات مع كبار المسؤولين وقادة القوات البرية والبحرية والجوية العمانية، وأيضًا مع رئيس مجلس الشوري ومساعد الخارجية العمانيين؛ لبحث سبل تنمية العلاقات بين البلدين. ولم يرجع الوفد الإيراني إلى الجمهورية الإسلامية، عقب حضور  الاجتماع الدوري السنوي الخامس عشر للجنة الصداقة العسكرية العمانية-الإيرانية إلا بعد حضور حفل وداع خاص حضره مسؤولون عمانيون.

قبلها بأيام شهد مضيق هرمز مناورات مشتركة للإغاثة والإنقاذ البحري بمشاركة القوات البحرية للجيش والحرس الثوري ومديرية الموانئ والملاحة البحرية والقوات البحرية العمانية. حضر المناورات العميد قدير نظامي مساعد الشؤون الدولية للأركان العامة للقوات المسلحة الإيراني والعميد سعيد البلوشي مساعد رئيس الأركان العامة للجيش العماني وحشد من قادة القوتين في مضيق هرمز.

وثيقة تأمين أمريكية في جيب السلطان

بموازاة الاقتراب من إيران، سعت عمان لإقامة علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة كـ«وثيقة تأمين»، وسرعان ما أصبحت عمان أول دولة خليجية تضفي صبغة رسمية على علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، بعد أن هزت الثورة الإسلامية عام 1979 منطقة الخليج. في 21 أبريل 1980، وقعت سلطنة عمان والولايات المتحدة «اتفاقية الوصول إلى المرافق» التي تسمح للقوات الأمريكية بالوصول إلى المنشآت العسكرية العمانية. بعد أيام من التوقيع، استخدمت الولايات المتحدة قاعدة جزيرة مصيرة الجوية العمانية في محاولتها الفاشلة لإنقاذ رهائن السفارة الأمريكية في إيران، بيد أن المسؤولين العمانيين قالوا إنهم لم يُبلَغوا بهذه العملية مقدمًا.

بموجب الاتفاقية، التي جُدِّدَت في أعوام 1985 و1990 و2000 و2010، يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم – بإشعار مسبق ولأغراض محددة – المطارات العسكرية العمانية في مسقط (العاصمة) وثمريت وجزيرة مصيرة وموسنة. وتشير التقارير إلى تخزين بعض معدات سلاح الجو الأمريكي، بما في ذلك الذخائر شديدة التدمير، داخل هذه القواعد. وتجري قوات المارينز الأمريكية والجيش الملكي العماني سنويًا (كل شتاء) مناورة ثنائية لمدة أسبوعين – تسمى «جندي البحر» – لتعزيز التنسيق بين قوات البلدين.

طوال الوقت حافظت عمان على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، فبالإضافة إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن في عام 2006، تعاونت عُمان مع الولايات المتحدة في القضايا المتعلقة بالإرهاب وشاركت في برامج التدريب الأمريكية لمكافحة الإرهاب. في عام 2000 مولت الولايات المتحدة تطوير قاعدة موسنة بتكلفة 120 مليون دولار واستخدمت واشنطن هذه القواعد الجوية خلال حربيها في أفغانستان والعراق.

وفي مارس (آذار) 2018، أشار قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، إلى أن «موقع عمان الاستراتيجي يزود القيادة المركزية الأمريكية بقدرات لوجستية وتشغيلية وطارئة أساسية، وتوفر وصولًا هامًا في شكل أكثر من 5 آلاف تحليق للطائرات و600 هبوط جوي و80 دخولًا سنويًا إلى الموانئ. وبعد ذلك بعام واحد، وقعت سلطنة عمان اتفاقية تسمح للجيش الأمريكي بالوصول إلى المنشآت والموانئ في صلالة والدقم، التي لديها القدرة على التعامل مع السفن الكبيرة وحاملات الطائرات. كما توفر هذه الموانئ للجيش الأمريكي فرصة الوصول إلى الخليج باستخدام الطرق البرية دون المرور عبر مضيق هرمز.

شريان حياة اقتصادي لمسقط

يوفر خط أنابيب الغاز الطبيعي المقترح في عام 2007 بين إيران-وعمان، بالإضافة إلى الاستثمارات الأخرى، شريان حياة اقتصادي لمسقط لم يستطع الحلفاء الخليجيون أو الولايات المتحدة توفيره. تضاعف إنتاج عمان من الغاز خلال الفترة ما بين 2001 و2010، لكن استهلاكها المحلي من الغاز ارتفع أيضًا بنسبة 180% خلال الفترة ذاتها؛ ما يترك الكمية التي يمكن أن تصدرها عمان محدودة.

علاوة على ذلك، ابتداء من عام 2012، بدأ إنتاج الغاز في سلطنة عمان، والذي يشكل 10% من إيرادات الحكومة، في الانخفاض. بحلول عام 2012، كانت مصانع الغاز الطبيعي المسال في سلطنة عمان تعمل بطاقة 80%، وتنتج 8.4 مليون طن، من أصل 10.4 مليون طن يمكن إنتاجها.

في المقابل، تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، لكن لا توجد مرافق للغاز الطبيعي المسال للغاز الذي تنتجه. وافقت عمان على شراء الغاز الإيراني في أوائل عام 2005. وفي عام 2007، صاغ البلدان صفقة تستورد عمان بموجبها مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا من إيران للاستخدام المحلي. كما نصت الصفقة (التي لم تكتمل) على أن تقوم عمان بمعالجة مليوني طن متري من الغاز الطبيعي المسال للتصدير.

استيراد الغاز الطبيعي الإيراني للاستخدام المحلي كان من شأنه أن يسمح لسلطنة عمان باستخدام المزيد من الغاز الطبيعي الخاص بها للتصدير. لولا أن عارضت الولايات المتحدة الصفقة وضغطت على عمان للحصول على الغاز من قطر بدلًا عن ذلك. وبالفعل، بدأت سلطنة عمان في استيراد الغاز من قطر عام 2007، لكن هذه الواردات لم تلب طلب عمان المتزايد.

بعد تنفيذ الاتفاق النووي، شجعت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون بنشاط الاستثمار في إيران. بحلول نهاية عام 2016، زادت التجارة الثنائية بين عمان وإيران إلى 886 مليون دولار، وتخطت حاجز المليار دولار بنهاية عام 2017. وكما كان متوقعًا، جددت عُمان وإيران خططهما التي يعود تاريخها إلى عام 2007 لمد خط أنابيب غاز طبيعي مسال بين البلدين.

في عام 2013، بموازاة المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، وقعت الدولتان مذكرة تفاهم تبدأ إيران بموجبهما تصدير الغاز إلى عُمان في عام 2015 لمدة 25 عامًا، وهي صفقة تبلغ قيمتها حوالي 60 مليار دولار. تضمنت الصفقة أيضًا اتفاقية لمد خط أنابيب غاز بين البلدين «في أقرب وقت ممكن».

وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 أن ممثلين من الشركة الوطنية الإيرانية لتصدير الغاز ووزارة النفط العمانية التقوا بممثلي شركة «توتال الفرنسية»، وشركة «رويال داتش شل» البريطانية، وشركة «كورجاس» الكورية لمناقشة المشروع. وفي فبراير (شباط) 2017، أكد المسؤولون الإيرانيون خططهم لتصدير الغاز إلى عُمان بحلول عام 2020.

خوف من الملالي أم طمع في المكاسب؟

ينصح المسؤولون العمانيون باستمرار بعدم فرض عقوبات على إيران، ويصرون على أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل النزاعات. كما قال دبلوماسي عماني سابق: «إيران جارة كبيرة، وهي موجودة لتبقى». وربما يكون الدافع وراء هذا الموقف هو الخوف أكثر من الرغبة في السلام. ففي أواخر تسعينات القرن الماضي، كشفت عُمان عن شبكة قيل إنها كانت تنقل مستندات حساسة إلى إيران وربما تعمل على الإطاحة بالحكومة العمانية لصالح نظام إسلامي.

حتى رفض عمان الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن لم يكن فقط بسبب علاقات مسقط الجيدة مع طهران، بل أيضًا لخشيتها من أن يؤدي قربها الجغرافي وعلاقاتها القبلية مع اليمن إلى تسرب أثر النزاعات إلى قلب الوطن ويطال عدم الاستقرار عقر دارها.

ثقافيًا، يوجد في عمان عدد كبير من أتباع الإباضية، يقارب نصف السكان، وهي الطائفة التي ينتمي إليها السلطان قابوس، لذلك تحتفظ عمان بعلاقات جيدة مع المجتمعات الإباضية الأخرى في زنجبار والجزائر وتونس وليبيا. وبعد الاستقلال، واجهت عمان تحديات ثلاثة: ليس فقط من الحركة اليسارية المسلحة داخل البلاد، والمشروع الإمامي للزيديين في الجنوب، بل أيضًا من التوسع الوهابي انطلاقًا من السعودية، وقد تمكنت من التغلب على هذه التحديات بمساعدة إيران والغرب.

صحيحٌ أن عمان عبرت عن قلقها إزاء تصدير إيران أفكارها الثورية الإسلامية، لكنها في الوقت ذاته تنظر إلى الشخصيات الدينية السعودية التي تنشر نهجها الإسلامي المحافظ باعتبارها خطرًا على استقرار عمان التي يعتنق غالبية مواطنيها المذهب الإباضي، وهو ما يفسر جانبا هامًا من دوافع عمان لتجنب الصراع الطائفي التقليدي بين السنة والشيعة في الخليج.

جغرافيًا، تقع عمان في منطقة الخليج المليئة باحتياطيات النفط، ومع ذلك فإنها لا تملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز مثل غيرها في المنطقة. لذلك تحاول الاستفادة من ثلاثة نطاقات متقاطعة: (1) العالم العربي الإسلامي، (2) المحيط الهندي (3) الساحة العالمية.

ترى عمان نفسها كجسر بين شبه الجزيرة العربية وغرب آسيا، وبين المحيط الهندي والخليج، وتشترك مع إيران في مضيق هرمز كبوابة رئيسة لنقل النفط والغاز في العالم؛ وترغب في جني ثمار موقعها الجغرافي الاستراتيجي في التجارة والوساطة بين مختلف الأطراف.

تاريخيًا، كانت العلاقات بين مسقط وطهران مختلفة في السياق الإقليمي. على الرغم من أنها دولة خليجية من حيث الجغرافيا والأنظمة، إلا أن ما زالت تحتفظ بخصائص تاريخية وهوياتية فريدة، كما يمنحها إرث الإمبراطورية العمانية – التي كانت تمتد من بحيرات وسط أفريقيا غربًا حتى مشارف شبه القارة الهندية شرقًا – ثقة بالنفس في علاقاتها الخارجية.

اقتصاديًا، يسهم النفط والغاز بحوالي نصف الدخل القومي الإجمالي (45 %)، وهما يمثلان 86% من إيرادات عمان، منذ عام 2013. لذلك أدى انخفاض أسعار النفط إلى إضعاف الاقتصاد العماني، مما تسبب في إعاقة التنمية وزيادة البطالة التي تشكل تحديًا كبيرًا؛ لأن أكثر من نصف سكان عمان تقل أعمارهم عن 25 عامًا. هنا تبرز أهمية العلاقات الاقتصادية بين عمان وإيران التي توسعت في العقدين الأول والثاني من الألفية الثانية، حتى عندما كانت العقوبات الأمريكية شديدة الضغط على إيران.

 

التعليقات على خبر: «في معية الحرس الثوري».. ما سر التعاون العسكري بين إيران وعمان؟

حمل التطبيق الأن