دبيب النمل واحتقار الذات

دبيب النمل واحتقار الذات!( سيف الحضارات واحتقارها)

  • دبيب النمل واحتقار الذات!( سيف الحضارات واحتقارها)

ثقافة وفنون قبل 4 سنة

دبيب النمل واحتقار الذات!( سيف الحضارات واحتقارها)

بكر أبوبكر

 

إن سيف الحرب بين الحضارات رفعه المقبور "برنارد لويس" وردا على ادوارد سعيد ورشيد الخالدي وغيرهما من البحاثة الكبار اللذين فضحوا وكشفوا المستشرقين القدماء والجدد الذين يكبسلون الأمة بمجموعة اتهامات يحاولون إلقائها في وجوهنا لنصدقها فنخور ولا نثور، وكي لا ننفجر غضبا في وجه الظلم الرأسمالي الاستعماري لعقولنا وجيوبنا.

إنها اتهامات لا تصمد، لكنها تجعل مثل "صموئيل هنتنجتون" يدعو لصدام الحضارات من منظوره الاستعلائي العنصري الحاقد، وهو ليس مختلفا كثيرا عن حقبة فكر الاستعمارالتقليدي القديم، لذا نحن كأمة عربية اسلامية بمسيحيينا ومسلمينا كنا ككتلة ومازلنا عن الطريق الحضاري لا نزلّ مهما زلّ أراذلنا، وأمثالهم بالغرب وفرة.

التقدير هو لك أنت الحر، وانت العربي وأنت الأمازيغي والكردي في دائرتنا الحضارية، وأنت المسيحي وأنت المسلم، وأنت الانسان، التقدير لك ولنا معا، لأننا أمة لا يضيرها من فسد وفسق وتاه، فالفسقة والفاسدين والتائهين ليسوا من الأمة بمجملها وكليتها في شيء.

          وصراعنا مع هذه الفئات أساس الاستخلاف وإعمار الأرض، فأنت وأنا كنا ونظل خيرأمة مادام المعروف فينا وافرًا، ونحن بقيمنا وتاريخنا وثقتنا بالله وأنفسنا وبايماننا وعملنا المتواصل المثل الاعلى. 

العقل الباطن وأنا

إن العقل الباطن يحتفظ بالرسائل الإيجابية[1] التي تدل علي الوقت الحاضر .ولبرمجته يجب اتباع القواعد الخمس وهي :

(1) يجب أن تكون رسالتك واضحة ومحددة .

(2) يجب أن تكون رسالتك إيجابية .

(3) يجب أن تدل رسالتك علي الوقت الحاضر .

(4) يجب أن يصاحب رسالتك الإحساس القوي بمضمونها .

(5) يجب أن تكرر الرسالة عدة مرات .

 

التخلص من الاحتقار الذاتي

الخبر الجيِّد أنَّ الأمرشخصيا لمن يعيشون احتقار الذات يمكن تغييره كما رأيتُ وسمعتُ مِرَارًا وتكرارًا؛ تابع معي النقاط التالية كما يذكرها د.ياسر بكار[2] 

أولاً: يجب العمل على حُبِّ الذات وقَبولها كما هي، هو حُبٌّ غيرُ مشروط، تمامًا كحُبِّ الأبِ لابنه أيًّا كان هذا الابن، هذه هي البداية لبناء شخصية تمتلك الثقة بنفسها، وتنظر بإكبار إلى ذاتِها وكيانها.

ثانياً: عندما نحاسب أنفسنا على فعل غيرِ لائق، يجب أن نَفْصِلَ بين (أنفسنا) و(سُلوكنا)، بمعنى أنه رغم ارتكابي لهذا الخطأ الذي يستوجب التصحيح والتوبة والاعتذار أحيانًا، لكن تبقى نفسي عزيزة وكريمة وغالية عليَّ، حتى لو ارتكبت خطأً كسائر البشر.

ثالثاً: راقب كيف تحدِّث نفسك في المواقف المختلفة، إن الشعور بالدُّونِيَّة هو نتيجة البرمجة التي نبرمج بها أنفسنا كلَّ يوم وكلَّ ساعة - حين نكرِّرُ عليها -: "ظروفي سيئة"، "لا يمكن النجاح فيها"، أو "أنت غبي لا تستحق النجاح"، "فاشل"، "مغفَّل"، "انظر إلى فلان، كيف نجح وبلغ ما بلغ، أما أنت ففي مكانك تراوح"... وهكذا عشرات العبارات التي تنتهي بشكل طبيعي إلى الشعور بالدونية.

والحل هو تغيير الحديث مع أنفسنا بشكل مختلف، حين تستيقظ غدًا صباحًا قف أمام المرآة وقل: "الحمد لِلَّه أنا بِخير، صِحَّتي جيدة، أو على الأقل أفضل من غيري، هناك الكثير من الأشياء التي أفتخر بها"، وهكذا بَرمِج نفسك بشكل إيجابي ومستمر.

رابعًا: الأمر لا يجب أن يتوقف على الكلام فقط، بل يجب أن ننتقل إلى الأفعال، الأشياء التي ستبدع فيها هي تلك الأشياء التي تتقنها

        أنَّ الله منح كُلاًّ منَّا موهبة في مجالٍ ما، والمطلوب منا هو أن نستكشف هذه الموهبة ونُنَمِّيَها، ونجد طريقة لتطبيقها على أرض الواقع، (وكل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم)[3]، وهنا سنحقق النجاح الذي نريده، أبدأ بسؤال: ما الشيء الذي أُتْقِنه أكثرَ من أقراني وأَستمتِعُ بِهِ لِلغاية؟ فَكِّرْ في السؤال مَلِيًّا، وخُذْ وَقْتَكَ، واستَعِنْ بِصَديقٍ مُقَرَّب، ومِن ثَمَّ فكِّر في تنزيل هذه الموهبة إلى أرض الواقع على شكل عملٍ ما أو مِهْنةٍ ما.

خـتامًا: لابدَّ أن نتذكر دائمًا - وقبل كل شيء - أنَّ هذه الحياة هي دار مرور لا استقرار، والناجح  من يَبْنِي دار المقام لا دار المرور

 

تجاور وتكامل وتفاعل النقد والابداع

 

تجد المئات بل الآلاف من الرجال والنساء في كل مجتمع يعيشون حالة من احتقار الذات، وكما الحال فيما نقرأه يوميا من مقولات تحطيمية سوداوية تشاؤومية كدبيب النمل على وسائل التواصل الاجتماعي تحقربذواتنا كأفراد وكأمة عربية وإسلامية، وتقزمنا أمام الآخر.

 

لكنَّ الخبر الجيِّد أنَّ الأمرمن الزاوية الجماعية (والتنظيمية) يمكن التصدي له باكتساب:

 أولا: الايمان والثقة بالذات الجمعية (الجماعية) بتصليب التعبئة الداخلية وتقوية المرجعية الفكرية والحضارية منذ الصغر. 

 

ثانيا: تعلم تجاور وتكامل وتفاعل فكرتي النقد والابداع معا، ففي الشمال من اليدين نقد يطيب له اكتشاف الاخطاء ليس للتلويح بها والمعايرة أو للتحقير وانما لاستفادة منها بنقلها لليد اليمنى أي الى نطاق الفعل والانجاز والابداع.

 

        وثالثا: لا بد من تعلم الفخر بالمنجزات الحضارية لأمتنا وهي كثيرة، ولكن دون غلو اومبالغة تؤدي للركون والتغني بالامجاد دون فعل، ويجب أن نتعلم احترام الرموز وسجل الخالدين، والتبشير بالخير، ومكافأة المبدعين والحث على العطاء وقراءة التاريخ بعين فاحصة ناقدة وبعين محبة وارفة الظلال.

 

 أما رابعا: فإن ضرورة الفصل بين الفعل الخاطيء أو الناقص كفعل ضمن تاريخنا الطويل يجب ألا يكون الا في حدود مرحلته وزمنه، ونقده في إطار موضوعي لزمانه هذا من جهة، ومن جهة ثانية عدم انزياحه ليعكس نفسه على الوضع الحالي والمستقبل.

        بمعنى أنه عندما نجد في وقائع التاريخ من القتل والفتنة والشغب لا نُلحق كل الأمة بالماضي والحاضر على إدعاء أنها أمة قتل وسلب وجرائم مثلا! كما يحاول المستعمر لعقلنا اليوم أن يغرس، فشتان بين الرؤية في حدودها للحالة والزمن والمكان، وبين الصورة الشاملة للمرحلة وضمن حدودها.

 

اما خامسا: فإن منهج التفكير بنقدنا ورفضنا للمشين من الأعمال أو وقائع التاريخ -أوفي الواقع القائم- تلك التي تظل مشينة في كل زمان، يجب ان يقتصر النقد فيه للفعل على زمنه وفعل شخوصه، الذي قد يقابله فعل إيجابي آخر لربما أتى من ذات الشخوص فلا نخفيه أونهمله فنشيطن أو نقدس.

        ولا نسقط الاساءات والفتن والأفعال المشينة على كل ذاك الزمان أو على كل المعنيين الذين قد يمتلكون صفات مناقضة، فما بالك بمن يأتيك ليسقط ذلك على الأمة اليوم ككل! إنه لعمري يقصد الاساءة والتمزيق والإشعار الدائم بالخزي والذلة والدونية.

 

خاتمة

إن احتفاء وسائل التواصل الاجتماعي بالسواد والدونية، وباقتباس من عدد من الكتاب العرب الفاقدين الثقة بأمتهم أو المنبهرين بالغرب والمنسحقين تحت أقدامه الفكرية والثقافية دون حصانة ذاتية، أو الحاقدين على ديننا او أمتنا، هو احتفاء منهم لا يضيرنا بشيء، ولا يؤثرون الا بذوي الرؤوس الفارغة، والسوقة أو الإمّعات من الناس الذين لا يجب أن نكونهم، وهم على وجودهم بيننا يجب أن نسعى لتعبئتهم وعدم إهمالهم والا لكثر الزوان على حساب القمح.

فنحن نتعلم وندرس ونتحقق ونتأمل ونتفكر وننتقد ونفهم ونعي كيف ومتى، في ظل الإيمان الذي لا يتزعزع بالله، وقيمنا وفكرنا الحضاري الجامع.

 

 (هذا الجزء الثالث والاخير من ورقة دبيب النمل واحتقار الذات

الحواشي

 

 

________________________________________

 [1]آرنس هولمز في كتابه النظريات الأساسية لعلم العقل يقول ( أفكاري تتحكم في خبراتي ، وفي استطاعتي توجيه أفكاري) .

 

[2]  الكاتب د.ياسر بكار يكتب حول التخلص من احتقار الذات في موقع الالوكة في 10/2/2008، ونورد نقاطه هنا باختصار.

[3]  قال عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) ، يعني بذلك قول الله جل وعلا: ] فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [

 

 

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

 

التعليقات على خبر: دبيب النمل واحتقار الذات!( سيف الحضارات واحتقارها)

حمل التطبيق الأن