منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف

منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن

  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن
  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن
  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن
  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن
  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن
  • منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن

اخرى قبل 4 سنة

منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن

يوسف النعيمي

«في صفاء رؤيا الجماهير تكون الثورة جزءًا لا ينفصم عن الخبر والماء وأكُفّ الكَدح عن نبض القلب». *غسان كنفاني

من شمال لبنان إلى جنوبها، وقف الشعب اللبناني متّحدًا في شعاراته، متفرقًا على أرضه. «كلن يعني كلن» نادي الشعب اللبناني للتخلص من نظامٍ أُسس على جذورٍ طائفية تعود أصولها إلى القرون الماضية، فمن القرن السادس عشر وإمارة جبل لبنان (لبنان القديمة) تعيش حالة صراع طائفي طاحن، وتحوُّلاتٍ اقتصادية، وسياسية، وسكانية، واجتماعية كبيرة. ولبنان دولة ذات بناء مركب ومعقد جدًا، وببعض التجوُّز يمكننا أن نقول أنّ أيّ تغيُّر إقليمي أو دولي، يكون نتيجته أزماتٌ متتالية في لبنان.

كما أن لبنان اليوم، يعيش أزمةً في الهوية. فكما يذكر المفكر والمؤرخ اللبناني، كمال صليبي في كتابه «الجماعة والدولة والأمة في المشرق العربي»، أن مكونات لبنان الطائفية كانت تعيش حالات نزاعات كبيرة قبل عام 1920، أي قبل إعلان دولة الانتداب «لبنان الكبير». ولم تكن الطوائف المختلفة، كالسنة والشيعة والدروز، راضين بالحدود التي فرضها الانتداب الفرنسي. كما أنّ «القومية اللبنانية» لم يرتبط مفهومها بالقومية العربية وذلك لرفض المورانة (المسيحيين) مشروع جامعة الدولة العربية.

أدّت كل هذه الأزمات إلى حربٍ أهلية، استمرت 15 عامًا، ولم يكن سوى اتفاق الطائف، بمبادرة سعودية ووصاية أمريكية، الذي استطاع أن يوحِّد النخب اللبنانية المتناحرة، والذين كانوا جزءًا – بل قادة – من هذه الحرب الأهلية، ليؤسسوا حقبةً جديدة، لنظامٍ مستقرٍ سياسيًا، ضمن ما يسمى بالـ«المحاصصة الطائفية»، لكنه اقتصاديًا كان وما يزال في انهيارٍ مستمر.

نحاول في هذا التقرير أن نضع اتفاق الطائف في مركز الأحداث، لنعود قليلًا إلى الخلف لفهم البُنَى الاقتصادية والسياسية التي أسست لهذا الاتفاق، وتداعياته على الساحة اللبنانية الذي فجر غضبًا شعبيًا في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

إمارة جبل لبنان.. جذور الطائفيّة الأولى

تعود بدايات الكيان السياسي للبنان الحالي إلى القرن السادس عشر، حيث كانت تسمى إمارة «جبل لبنان». تمتّعت إمارة جبل لبنان بالحكم الذاتي في عصر الدولة العثمانية، مقابل عددٍ معيّن من أكياس الغروش الذهبية. وكان جبل لبنان مقسمًا على أساس «نظام الملل»، الذي يقسّم الرعايا وفق جماعة عُليا؛ وهم المسلمون. وجماعاتٍ دُنيا؛ وهم أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين، الذين يمارسون أعمالهم وأديانهم بحريةٍ كاملة مقابل دفع الجزية. كان جبل لبنان ذا أغلبية سكانية مسيحية، معظمهم من طبقة الفلاحين والحرفيين والتجار «العامة»، وكانت الإمارة تدار على أساس النظام الإقطاعي، مما خلق نزاعات دائمة بين الدروز «الإقطاعجيّة» الذين كانت تحكمهم تقاليد القبيلة، وغلب عليهم الوظيفة القتالية، والمسيحيين «العامة».

وكانت تعيش إمارة جبل لبنان أيضًا نزاعًا كبيرًا بين الحكام المحليين لها، وذلك لنيل رضى الباب العالي في إسطنبول، كما تحدث نزاعات على مستوى الأسر الـ«مقاطعجية» على نفس الأمر كذلك.

عاشت إمارة جبل لبنان انفتاحًا على التجارة الدولية، وإنتاج الحرير. فمن أبرز الإنجازات الاقتصادية للأمير «فخر الدين»، هي إدخال تربية دود القز إلى جبل لبنان والتي ضاعفت من إنتاج الحرير بشكلٍ كبير. وعاش الأمير فخر الدين في المنفى مدّة خمس سنوات في إيطاليا، التي كانت تعيش في تلك الفترة عصر «النهضة»، ووطَّد فيها الأمير علاقاته مع أوروبا، ورأت فيه إيطاليا فرصةً لمد نفوذها في جبل لبنان. وقاد الأمير مشروعًا انفصاليًا عن الدولة العثمانية، متلقيًا الدعم من توسكانا (إيطاليا قديمًا)، إلا أنّه لم ينجح في ذلك وأُعدم شنقًا في إسطنبول عام 1635، بعد أن تخلّى عنه حكام توسكانا.

كان النظام الإقطاعي يشكل ضغطًا كبيرًا على الفلاحين، وأدى ذلك إلى خروج «عاميات» (احتجاجات)، تطالب بخفض الضرائب والإصلاحات الاقتصادية، وكانت هذه العاميات أول مواجهة شعبية للسياسة الإقطاعية للأمير الشهابي بشير الثاني الذي استمر حكمه من عام 1788 وحتى 1840، والذي كان يجمع من الضرائب ما يقارب 9 ملايين يأخذ مليونًا منها لنفسه. وكانت هذه الحقبة، هي حقبة التدخُّل الرسمي والمباشر للقوى الأوروبية في المشرق، والذي باتت يعرف بتقليد «نشر السلام في الشرق»، التي استخدم ذريعةً للتدخل في المشرق العربي، ومنها زاد التدخل الفرنسي والبريطاني في شؤون لبنان وسوريا.

بعد عام 1840، عاشت لبنان فترة عدم استقرار ونزاعات لمدة عامين، إلى أن جاء نظام «قائم مقاميتين»، الذي اقترحه الأمير والمستشار النمساوي «ڤنزل مترنيخ»، والذي ينص على تقسيم جبل لبنان إلى منطقتين إداريتين، شمالًا يحكمها قائممقام مسيحي، وجنوبًا يحكمها قائممقام درزي، وكان بذلك أول نظام سياسي طائفي.

إلا أنّ هذا النظام الجديد اعتبر الدروز أقلية فيما كان يسمى قديمًا «جبل الدروز»، والمسيحيون أكثرية. وأطلق عليه الأستاذ فواز طرابلسي «مفارقات الوضع الجديد»، فقد ذكر في كتابه «تاريخ لبنان الحديث: من الإمارة الى اتفاق الطائف» بأنّه «من هنا مفارقات الوضع الجديد: المسيحيون، وهم الأكثرية في جبل لبنان، هم مع ذلك أقلية في السلطنة العثمانية، فيما الدروز، وقد أمسوا أقلية فيما عُرف سابقًا باسم جبل الدروز، يعتبرون أنفسهم جزءًا من الأكثرية المسلمة في السلطنة».

كل هذه الأوضاع خلقت توترًا كبيرًا، وأربكت الوضع السياسي والاقتصادي، وجعل القبائل الدرزية مندفعة أكثر لاستخدام العنف، وبدأ بذلك حقبة جديدة من الاقتتال الدرزي – المسيحي. إلا أنّ الباب العالي أرسل شكيب أفندي لفرض نظام طائفي أعقد بكثير، فعمل على إنشاء مجلس يعاون كل قائممقام، وهذا المجلس مكون من 12 عضوًا، وكيل وقاضٍ من الطوائف الستة المتواجدة: الموارنة، والدروز، والروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسنة، والشيعة. ولكن لم يعط النظام نتيجته المرجوة، فزاد هذا النظام من التفكك والطائفية، وزاد التنافس بين الإقطاعيين أنفسهم، وبالتالي زادت النزاعات.

النظام الإقطاعي في نهايته وولادة نظام جديد

كانت التوترات تتفاقم بين العامة والإقطاعيين أيضًا، وقامت أكثر من انتفاضة فلاحية، ففي منطقة العرقوب، في جبال لبنان الشرقية، قام تمرُّد فلاحي ذهب ضحيته 200 شخص. وكل هذه الأحداث مهّدت لنهاية للنظام الإقطاعي. وعاش جبل لبنان حربًا أهلية وانتفاضاتٍ واسعة استمرت منذ عام 1841 وحتى 1861، وكانت نهايتها مجازر عام 1860، والتي بدأت بانتفاضة للفلاحين المسيحيين ضد أسيادهم الدروز، وبلغ عدد الضحايا 20 ألفًا. وكانت نتيجة هذه الحرب، تشكيل نظام «المتصرفية» لجبل لبنان.

جاء بعد هذا النظام، نظام المتصرفية، الذي فرضته الدولة العثمانية، بإدارة حاكم عثماني مسيحي، غير لبناني وغير تركي. وهذا النظام يضمن حكمًا ذاتيًا لجبل لبنان بضمانة القوى الأوروبية التالية: فرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والنمسا، وروسيا، وإيطاليا. وهذا المتصرف المسيحي، يتمتع بصلاحيات تنفيذية مع مرجعية إلى إسطنبول بشكل مباشر.

ويوجد مجلس إدارة يتكون من 12 شخصًا استشاريًا، لمعونة «المتصرِّف»، وينتخب هذا المجلس على مرحلتين: المرحلة الأولى يقوم أهالي القرى والبلديات المختلفة بانتخاب «شيوخ شباب» بمصادقة المتصرِّف نفسه، وفي المرحلة الثانية، يجتمع هؤلاء الشيوخ لكل دائرة انتخابية ويقومون بانتخاب 12 عضوًا لمجلس الإدارة، وكان الأساس هو انتخاب متساوٍ بين المسيحيين والمسلمين، إلا أنّه جرى تعديل فأصبحت النسبة 7 مسيحيين مقابل 5 مسلمين. ومع فرض النظام المتصرفي، حدث تغيرٌ ديموجرافي لمصلحة المسيحيين، وبالأخص الموارنة، وزيادة في الأملاك المسيحية والهيمنة الاقتصادية.

وفي هذه الفترة انسحبت فرنسا من تصدير النموذج الثوري إلى النموذج الاستعماري. وكان أسوء ما في النظام المتصرفي رغم أنّه كان يشكِّل نوعًا من الاستقرار السياسي، هو النظام الاقتصادي الذي له «تبعية مزدوجة»، بين أوروبا وسوريا، فالإمارة كانت تابعة لوالي دمشق. فمن جهة واحدة كان الكثير من اللبنانيين يهاجرون غربًا، وأحدث ذلك قفزة ثقافية نوعية، ولكن من جهةٍ أخرى كان جبل لبنان مرتبط اقتصاديًا بسوريا التي تصدر لها الحبوب واللحوم.

لبنان الصغير.. وسط فوضى انقلابٍ عالميّ

«من قال أنّه هنالك حروب نظيفة وحروب غير نظيفة؟ الحرب هي الحرب.. والأبرياء يدفعون الثمن». *وليد جنبلاط عن الحرب الأهلية اللبنانية

شكلت الحرب العالمية الأولى تهديدًا مباشرًا للدولة العثمانية ونفوذها في المشرق العربي، وعندها قامت الدولة العثمانية بتوظيف متصرّفين أتراك في ولاية جبل لبنان، وانتهى النظام بالمتصرّف ممتاز بك عام 1918، والذي ما كاد يبدأ مهامه حتّى هُزم الجيش العثماني وبدأت قواته بالتقهقر، وهرب ممتاز بك وبذلك انتهى عهد المتصرفيين.

وكان عام 1920 بداية عهد الانتداب الفرنسي، الذي أعلن دولة «لبنان الكبير»، وفي 23 مايو (أيّار) 1926 كان انطلاق الجمهورية اللبنانية ممثّلةً بمجلس الممثلين الذي أعلن عن دستور الجمهورية، وكان لدى الجمهوريّة مجلسان: مجلس الشيوخ اللبناني ومجلس النواب اللبناني. وكان دستور عام 1926 يعزز التقسيمات الطائفية التي بُنيت من القرن الماضي، وقد كان لبنية البرلمان آنذاك أغلبية مسيحية أيضًا.

وفي عام 1943 خرجت – شفويًّا – ما أطلق عليه «وثيقة الوفاق الوطني»، بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الوزراء رياض الصلح والتي حُدِّد بمقتضاها مستقبل لبنان على أساسين اثنين: على المسلمين التخلّي عمّا يسمى «حلم الدولة العربية»، وقبول المسيحيين الانفصال عن فرنسا. وكان هذا بضمانات؛ احتكار المسيحيين الموارنة لثلاثة مفاصل رئيسية للدولة: رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، والبنك المركزي اللبناني.

إلا أنّ السياق الإقليمي والدولي لم يسمح لهذه المنظومة – المُقسّمة طائفيًا – بالاستقرار، فما بعد الحرب العالمية الثانية، والاحتلال الصهيوني عام 1948، هاجر إلى الأراضي اللبنانية ما يقارب 711 ألف مهاجر فلسطيني، مما أحدث تغيرًا ديمغوجرافيًا واقتصاديًا هائلًا لبلدٍ لم يحظَ باستقرارٍ منذ قرون.

وكانت أزمة بنك الأنترا عام 1966، أزمة كبيرة على الاقتصاد اللبنانية، وكانت بسبب الأزمة المصرفية الأمريكية، ونجم عن هذه الأزمة ارتفاع كبير في الفائدة العالمية وبالتالي اللبنانية، وأدى ذلك إلى خروج الكثير من رؤوس الأموال من لبنان، بعدما أصبحت لبنان في الخمسينيات من القرن العشرين مركزًا للتجارة في الشرق الأوسط.

وبعد أحداث أيلول الأسود 1970 في الأردن، طُردت القوات الفلسطينية إلى لبنان، وزاد التوتر الطائفي حدّةً، حتّى وصل لبنان لأحداث أبريل (نيسان) 1975، التي هي بداية الحرب الأهلية اللبنانية، كان الأطراف فيها؛ يمين لبناني مسيحي «الجبهة اللبنانية»، ويسار لبناني متمثلًا في «الحركة الوطنية» ومتحالف مع المقاومة الفلسطينية «منظمة التحرير».

يقول المختص في شؤون الإعلام، والمحلل السياسي اللبناني وليد فخر الدين لـ«ساسة بوست»: «بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للبنان، انتهت حرب الأحزاب العقائدية العابرة للطوائف، وانتقلنا إلى حرب الطوائف، فيُعدّ هذا العام هو الشكل الأساسي للحرب الطائفية في لبنان». كانت عوائد الحرب منهكة للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدولة لبنان، فكان نتيجتها مقتل ما يقارب 120 ألف شخص، ونزوح ما يقارب المليون.

في سبتمبر (أيلول) 1989، حضر الأخضر الإبراهيمي إلى بيروت محاولًا إقناع الجنرال ميشيل عون (الرئيس الحالي) للمشاركة في اتفاقية الطائف، التي جاءت مبادرةً من الرياض.

اتفاق الطائف.. بداية عهدٍ جديد لا ينهي الطائفيّة بل يُمأسسها

جاء اتفاق الطائف لينهي الحرب الأهلية اللبنانية والتي استمرت 15 عامًا من خلال موازين القوى التالية: محليًا: المارونيين، والسنة، والشيعة، والدروز. دوليًا: السعودية، وسوريا، والولايات المتحدة، وفرنسا. ولَقِي الاتفاق مباركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

قلّص الاتفاق صلاحيات رئيس الجمهورية على لصالح مجلس الوزراء. وجاءت التقسيمة على أنّ رئاسة الجمهورية تكون للمارونيين، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة البرلمان للشيعة. بالإضافة إلى إعادة انتشار الجيش السوري، وحلّ جميع الميليشيات العسكرية ماعدا حزب الله؛ ذلك لأنّ حزب الله اعتبر محورًا مقاومًا للاحتلال الإسرائيلي الذي كان يسيطر على 10% من الأراضي اللبنانية، كما أنّه لقي دعمًا سوريًا وإيرانيًا.

أحد البنود الأساسية لاتفاق الطائف كان التمثيل المتساوي في البرلمان اللبناني بين المسيحيين والمسلمين. مما جعل بذلك «المارونيين» طائفة مسيحية من بين 7 طوائف أخرى، لها الأغلبية في البرلمان، بـ34 صوتًا.

نسب الطوائف في البرلمان اللبناني

يذكر الأكاديمي باسل سلوخ في كتابه «السياسة الطائفية اللبنانية ما بعد الحرب»، أنّه لم تكن وثيقة الوفاق الوطني عام 1943، واتفاق الطائف عام 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بشكلٍ رسمي سوى خطواتٍ للزيادة من مركزية الدولة مع إضعاف مؤسساتها. وأنّ اتفاق الطائف لم يقل سوى أنّه أعاد النظام الطائفي ضمن موازين القوى، مع وقائع ديموجرافية وسياسية جديدة، وكان لا يحمل أيّ آلياتٍ مؤسسيةٍ حقيقية.

ويذكر المحلل السياسي وليد فخر الدين لـ«ساسة بوست»: «ليس كل ما في اتفاق الطائف جيد، وليس كل ما فيه سيئ، والسيئ في هذا الاتفاق هو أنّه قسم اللبنايين إلى مجاميع طائفية وجعل أمراء كل طائفة يتكلمون باسمها ويسيطرون على مقدراتها وتمثيلها السياسي»، وأضاف أيضًا: «لا أوافق أنّ اتفاق الطائف أسس لنظام سياسي يؤدي إلى محاصصة طائفية، وإنما تطبيقه كان كذلك، وأصبحت الطائفية السياسية نوعٍ من الدولة العميقة داخل بنية الدولة اللبنانية».

لم تكن «بنود» الطائف تبني لنظام طائفي سياسي، وإنما تتجاوز هذا النظام من خلال انتخاب ما سُمي مجلس نواب على أساس وطني غير طائفي، وبعدها يؤسس مجلس شيوخ لتمثيل جميع الطوائف ويُحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. ولكن لا شكّ أنّ الكثير من نقّاد اتفاق الطائف أجمعوا على أنّ الإشكالية الكبيرة لهذا النص أنّه لا يحمل أدواته التي تفسر الدستور اللبناني، ولا يحدد مواعيد محددة لإبرام بعض البنود.

ماذا بعد اتفاق الطائف؟

«هناك مطالب عديدة في الحراك ليست محل إجماع مثل إلغاء الطائفية وقانون انتخاب جديد». *حسن نصر الله في تصريحاته الأخيرة

نتج عن اغتيال رفيق الحريري، في 14 فبراير (شُباط)  2005، مهندس اتفاق الطائف، انقسام آخر في البنية السياسية اللبنانية، وخرج حراك سلمي آنذاك سُميّ بـ«ثورة الأرز». وقسّمت هذه الثورة الساحة السياسية إلى فريقين تحالف 8 آذار والذي من مكوناته حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر (ماروني)، وهذا التحالف مدعوم من طهران، ودمشق، مقابله تحالف 14 آذار، وأبرز مكوانته تيار المستقبل (آل الحريري)، والقوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي (خرج من التحالف بعد انتخابات عام 2009)، مدعوم من الرياض وواشنطن.

وفي عام 2008، حدثت أزمة جديدة في الساحة اللبنانية ما بين تحالف 8 آذار و14 آذار، والتي استمرت لمدة 18 شهرًا. وجاءت اتفاقية الدوحة 2008، بادرةً لانتخاب حكومة وحدة وطنية، وانتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان، ولكنّها لم تعالج الإشكاليات الجوهرية التي خلفها اتفاق الطائف، وإنما كانت فقط نوعًا من الضبط السياسي الطائفي.

يذكر مصدرٌ خاص لـ«ساسة بوست»، وهو أكاديمي وناشطٌ في الحراك اللبناني طالبًا عدم ذكر اسمه؛ أنّ انتقال حزب الله من هامش إلى مركز السياسة اللبنانية، عقّد التركيبة السياسية للدولة اللبنانية، فهو لم يكن جزءًا مشاركًا في اتفاق الطائف، وأنّ وجود جناح مسلح في الساحة السياسية كحزب الله، يفرض على الواقع السياسي معادلة أخرى لا تضع اتفاق الطائف في مركزها.

كما يذكر المحلل السياسي وليد فخر الدين لـ«ساسة بوست»:«يمكننا تطوير الدولة بدون تعديل اتفاق الطائف، ولكنّ لا يمكن تطويرها بدون مراجعة بعض النصوص ووضع شرح لهذه النصوص، لأنّها بعض البنود فضفاضة». ويضيف أيضًا: «على سبيل المثال: الأزمة التي نعيشها اليوم في لبنان في تشكيل الحكومة، أن اتفاق الطائف لم يضع مهلًا دستورية لرئيس الجمهورية لان يقوم بالاستشارات النيابية اللازمة لتسمية رئيس الحكومة، ولم يضع مُهلًا دستورية لرئيس الحكومة لتأليف الحكومة».

Embed from Getty Images

جدار الثورة، السلطة للشعب

ويختتم معنا حديثه قائلًا: «اليوم في لبنان يوجد فرصة لن تتكرر لإمكانية تغيير أو تطوير دستوري، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بضغطٍ شعبيّ كبير جدًا. ولكننا نُوَاجَه بحزب الله الذي يريد أن يبقى، ويرى بالطبع مصلحته في بقاء الوضع القائم، لأنّه يُؤمّن له نوعًا من الغطاء الدولي، بكون وجود شركاء في لبنان ليس لهم علاقة بحزب الله، ويسمح له أن يكون جزءًا من سياسة المحاور».

بدأ الربيع العربي انتفاضات شعبية واسعة، وكانت لبنان أحد محطاتها الرئيسية. ففي عام 2011، نادى الشعب اللبناني بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام». أما في عام 2015، فكانت الاحتجاجات اللبنانية تحمل شعار «طلعت ريحتكم»، قاصدًا فيها الشارع مشكلة النفايات، ومناديًا بإلغاء النظام الطائفي. أما احتجاجات اليوم، فشعارتها جذرية وتصيب هيكل النظام نفسه: فسياسيًا ينادي الشعب «كلن يعني كلن» مشيرًا إلى النُخب السياسية الفاسدة، واقتصاديًا ينادي الشعب «يسقط حكم المصرف»، محددًا بذلك الخلل الرئيسي لبُنية لبنان الاقتصادية. فهل نشهد تفكك النظام الطائفي في لبنان عما قريب؟

بحث في الجذور.. متى توحش الفقر في لبنان؟

 

التعليقات على خبر: منذ قرون وحتّى اتفاق الطائف.. مختصر تاريخ الطائفية التي ثار اللبنانيون عليها الآن

حمل التطبيق الأن