المهندس "الخبير الزراعي" المرحوم عبد الغني التايه

المهندس "الخبير الزراعي" المرحوم عبد الغني التايه

  • المهندس "الخبير الزراعي" المرحوم عبد الغني التايه

اخرى قبل 3 سنة

المهندس "الخبير الزراعي" المرحوم عبد الغني التايه

"قامة وطنية .. ومدرسة في العطاء الزراعي المتجذر "

بقلم : فيصل تايه

تاريخ هذا البلد الكبير بابناء شعبه وطيبة اهله ، هو مستودع ذكرياته ، ومخزونه الوطني والتراثي الذي نلجأ الية بين الفينة والاخرى شحذاً للهمم ووصلاً للحاضر بالماضي ، واستذكاراً لمن امضوا سنوات عمرهم في خدمته ، من أجل بناء مستقبل أفضل اغناءً للمسيرة المعطاءة ورفداً لها في كل الظروف والأحوال .

هذا البلد "برئتيه" الذي بُني على اكتاف ابنائه الغر الميامين من الرجال الذين يشهد لهم خدمة قضايا وطنهم وامتهم ، نستذكرهم حين نعيد قراءة تاريخ الأردن وفلسطين ، فهناك جزء من هذا التاريخ وهو جزء مهم بقي مهملاً حيث لم ينل حقه من دراسة سيرة حياة صانعيه وتجاربهم وخبراتهم ، ومن هنا برزت الحاجة الماسة لأن ننهض جميعاً لإعادة قراءة تاريخنا الأردني الفلسطيني الواحد ، خاصة حينما نتذكر سواعد ابنائه مما عملوا بجد واجتهاد في مختلف مجالات العمل ، وانا هنا بصدد الحديث عما يتعلق بالحقل الزراعي كاحد المجالات الهامة التي نمت وتطورت بشكل فاق في تقدمه دول المنطقة وعلى مدى سني عمر الدولة الأردنية الحديثة ، فمن واجبنا ان نستذكر من عملوا على تطوير هذا القطاع بكل همة ومسؤولية ، بل وساهموا اسهاما كبيرة في وضع لبناته الاساسية ، فكانوا مفخرة لكل من عرفهم من اخيار هذا البلد ، الذين حذوا حذوههم في مجالات العمل الزراعي المتجذر في عطائهم الذي بقي أثره فينا ولم ولن ينضب ، فكم نحتاج على الدوام تقدير كل الجهود الطيبة التي تبذل لإعادة قراءة تاريخ الأردن وفلسطين من خلال إحياء سير حياة أولئك الرجال الذين ساهموا في حمل أمانة المسؤولية بالعمل والجد والاجتهاد .

ان من أبرز الرجالات الذين كان لهم دور ريادي في حدود إمكانياتهم في المجال الزراعي المرحوم المهندس الزراعي الأستاذ عبد الغني التايه الذي تبوأ منصب مدير معهد الحسين الزراعي " خضوري" ، ولو أن كتابة هذة السطور لا يمكن أن تقيم الدور الريادي الذي قام به ، في خدمة الحركة الزراعية في هذا الوطن والعمل لأجله ، لكن لا بد من بعض الاضاءات على مسيرته الحافلة بالجهد والعمل .

ان الحديث عن المهندس الزراعي الاستاذ عبد الغني التايه "رحمه الله" يعد حديثا عن أحد رجالات الرعيل الأول الذين بقي عطاؤهم موصولاً وكانوا منارة يستضيء بها كل باحث ومهتم بقضايا الزراعة وتطويرها ، ولذلك فمن الواجب إبراز دوره ومناقبه في كل خاصة عند التطرق إلى رجالات الرعيل الأول الذين ساهموا في تطوير الحقل الزراعي ، فالمرحوم من الذين حرصوا دوماً على بذل مخزونة المادي والمهني في سبيل تقدم عمله ورفعته.

ولد المرحوم عبد الغني محمود التايه في مدينة طولكرم سنة ١٩٢٦م ، حيث نشأ في بيئة مشبعة بحب الوطن والعلم ومليئة بالخير وحب الناس حيث أكمل تعليمه في المدرسة الفاضلية وانهى دراسته الثانوية " المترك" فيها من العام ١٩٤٣م ، ومنها التحق في معهد " خضوري " الزراعي " معهد الحسين الزراعي" المعروف في طولكرم لاكمال دراسته في التخصص الذي أحب ، ولمدة ثلاث سنوات ، حيث تخرج بتفوق وبتقدير امتياز ، ليتم اختيارة للعمل في نفس المعهد وانتدابه ايضاً للمدرسة الفاضلية الثانوية في طولكرم كمعلم لمادة الزراعة فيها ، حيث كان المرحوم "الاستاذ علي رؤوف" مديرا للمعهد ، وفي العام ١٩٤٦/ ١٩٤٧ تم تعينه موظفا في وزارة الزراعة الأردنية ، ثم التحق في دورة زراعية متقدمة متخصصه في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية مطلع العام ١٩٥١ ، ولمدة عام ، وعند عودته تم التعاقد معه للالتحاق للعمل في ليبيا كخبير زراعي منتدب من قبل الحكومة الاردنية ولمدة عام ايضا .

في العام ١٩٥٢ / ١٩٥٣ تم التحاقة بالجامعة الامريكية في بيروت للحصول على شهادة الهندسة الزراعية ، الذي حصل عليها بتقدير امتياز وعاد ليخدم وطنه من خلال عمله في وزارة الزراعة الاردنية ، الا ان تم اختيارة في العام ١٩٥٦ ، كبيرا للخبراء الزراعيين لتطوير القطاع الزراعة في غور الأردن بمشروع " الجفتلك " باشراف الوكالة الامريكية للتنمية الزراعية وكمدير للمشروع ، والذي عمل به قرابه الثمان سنوات ، حيث شهد المشروع تطورا نوعيا كبيرا في المجال الزراعي على مستوى المنطقة .

لقد تدرج المرحوم الخبير الزراعي المهندس عبد الغني التاية في خدمة السلك الزراعي في الاردن الى ان تسلم منصب خبير زراعي في منظمة الاغذية والزراعة الدولية (FAO) في العام ١٩٦٤م وليتم ابتعاثة كخبير زراعي الى اليمن لمساعدة الحكومة اليمنية في مختلف المجالات الزراعية ، الا ان عاد الى عمان في عام ١٩٦٧م ، ليعمل كمدير للبحث والارشاد الزراعي في وزارة الزراعة وحتى العام ١٩٧٠ م ، كل ذلك زاد من اصراره على المزيد من المتابعه للدراسات العليا حيث حصل على درجة الماجستير في العلوم الزراعيه تخصص بستنة من الجامعة الامريكية في بيروت عام ١٩٦٩ - ١٩٧٠ ، حيث عاد وعمل مديرا للبحث والإرشاد الزراعي في رام الله بالضفة الغربية وكمسؤول عن الصادرات الزراعية من الضفة الغربية الى الاردن .

لقد كتب المرحوم العشرات من الأبحاث والدراسات والمقالات نشر جزء منها فى مجلات دولية متخصصة ونشر بعضها فى الصحف المحلية والعربية الى جانب ما أذيع وما نشر ، وبقى الكثير منها فى ملفاته الخاصة أو ارشيف منظمة التغذية والزراعة ( الفاو ) حيث كانت تنشر بصفته الوظيفية وأحيانا بصفته الشخصية ، كما وعمل المرحوم على اعداد الكثير من الابحاث والدراسات الزراعية الموثقة المتعلقة منها بزراعة الزيتون بالتعاون مع القنصلية الامريكية في القدس ، اضافة الى تطوير زراعة الفواكه والخضروات بمختلف انواعها والأشجار المثمرة وخاصة الحمضيات وبالطرق العلمية الحديثة ، اضافة الى عمله كخبير دولي للعديد من الجامعات والهيئات والمنظمات الزراعية الدولية ، حيث كان قد حظي بمكانة عالية أينما حل ، وحب كل من عرفه وتقديرهم له في وطنه وخارج وطنه لما تتسم به شخصيته من سعة الأفق والمعرفة ، والخبرة والتجربة الغنية في الحياة والمقرونة بالتواضع والمروءة وحب الخير ، حيث يعتبر أحد الرموز التي أسهمت في إرساء الأسس العلمية الحديثة وتطبيقاتها في العمل الزراعي وأضفى بصمته المميزة بتنشيط الحركة الزراعية خلال سنوات عمله الطويلة التي قضاها .

وكان المرحوم ، صديقا وفيا وعضدا فعالا لزملائه في العمل ولكل من عرفه ، فقد وهب حياته وأنفق أيام عمره وما أكتسبه من علم وخبرة فى دراساته العليا ليضع مع زملائه أسس ودعائم وأطرق " النهضة الزراعية " المنشودة ومخططات التنمية الصحيحة ، على أساس العلم والدراسة وخبرات وتقدم العصر ، فقد جسّد بتفانيه وجلده واخلاصه وجهوده الجبارة وتفرّغه طموحات ابناء وطنه ، في مواجهة ما كان يعانيه تراب هذا البلد من تحديات في المجال الزراعي .

لقد كانت حياة المرحوم مليئة بالأحداث والنشاطات الزراعية وحافلة بالعطاء على قدر ما كانت الاحداث التي كانت تمر بالبلاد في تلك الفترة المرهقة ، لكن سواعد رجالات الدولة المخلصين المحبين لوطنهم والمخلصين له ، عملت بكل جد واجتهاد ، حيث كان المرحوم محط تقدير واهتمام الوطن لجهوده وإخلاصه وتقديراً لوطنيته ، فقد كان رجلاً معطاء عرف بحبه لوطنه ووفائه له وحرصه عليه وقد عمل على توظيف خبرته الكبيرة في مجال الزراعة والتي قضى فيها كل عمره الى ان توفاه الله وانتقل الى الرفيق الاعلى في العام ١٩٨٢ متوجاً بمسيرته الحافلة بالعطاء في مختلف المناصب الزراعية الحكومية منها والعربية والدولية وبابتسامة لم تفارق وجهه تنم عما بداخل صاحبها من أمل في المستقبل وثقة بالأجيال القادمة ، فقد ادى رسالته في الحياه بامانة واخلاص ، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

مع تحياتي

التعليقات على خبر: المهندس "الخبير الزراعي" المرحوم عبد الغني التايه

حمل التطبيق الأن