ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية

 ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية

  •  ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية
  •  ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية

اخرى قبل 3 سنة

 ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية

مصطفى الريالات

رئيس تحرير جريدة الدستور الاردنيه

يأخذُ الحديثُ عن مُخرجات اللجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السياسيّة، بخاصةٍ ما يتعلّق بقانوني الانتخاب والأحزاب، أبعاده على المستويات كافةً، بين مُرحّب ومُتفائل وآخر متخوّف محمّلٍ بالهواجس، وهي بالمُجمل ردّات فعل طبيعية، حول مَسار يوصلنا للتحوّل الديمقراطي الفاعل والمؤثّر، عبر حكومات برلمانيّة عمادها البرامجيّة الحزبيّة.

ما وصلت إليه اللجنة الملكيّة في هذا الإطار، ليس منزّلاً ولا مُحصناً من التعديل والتجويد، فالملك في رسالته لرئيس اللجنة غداةَ تشكيلها، كان واضح المغزى في تكليفها لصياغة مُقترحات وتوصيات، تتعلّق بمنظومة القوانين الناظمة للحياة السياسيّة في المملكة، وهي في مَسارها الدستوري تذهب من الحكومة لمجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، صاحب الحقّ الدستوري في تعديل ومُناقشة وإقرار ما جاء من مُقترحات.

إنّ الجهد الكبير الذي أَفضى إلى هذه المُخرجات، يتطلّب تكاتف القوى الوطنيّة على اختلاف برامجها وأهدافها، من أجل إنجاح الفكرة بالأساس، والتي تنبعُ من صميم إرادة الملك وشعبه في الوصول إلى شكل من المُمارسة الديمقراطية، يكون عنوانه حكومة برلمانية خاضعة لمساءلة الأغلبية في مجلس النواب، وهي علاقةٌ في جوهرها تقوم على أن مفهوم الديمقراطية أوسع من حصره في نظريات تعبير الأفراد عن آرائهم، بل يتعداهُ إلى أن تنبع الحكومات والمجالس النيابية من رحم أحزاب برامجيّة، تعكس ما ينادي به الناس إلى خطط عمل واقعية، تُسهم في تحقيق التنمية وازدهار الدولة، وتحقيق مبدأ الثواب والعقاب والمساءلة، ودفن رؤوس الفساد والواسطة والمحسوبيّة والرغبات والأهواء، التي تظهرُ على سطح المشهد السياسي بين الحِين والآخر.

وفي الآونة الأخيرة، برزتْ ملاحظاتٌ وأحاديثُ من بعض الأصوات على المُخرجات، ولو كانت الغاية منها تجويد العملية برمَّتها، لكان مُرحباً بها من الجميع، لكنها كانت تفوحُ برائحة التخريب ونسف المجهود على قاعدة خالف تُعرف، فهنالك مواقف غير علمية ترى أن الأحزاب كيانات غير موجودة، فكيف نمنحها مقاعد مجانية؟ لكنّ الواقع يقول وبالأرقام أن الانتخابات النيابية الماضية، أظهرت أنّ مجموع ما حصدته الأحزاب بلغ (350) ألف صوت، من أصل عدد ناخبين بلغ 2.2 مليون ناخب وناخبة، أي أنها حصدت رقماً يُناهز ثلث أصوات الناخبين.

ودَعونا نتساءل بمنطقٍ، كيف لرأي وازنٍ أن ينجرَّ وراء فكرة تُنادي بالحكومة البرلمانية، وتُحارب فكرة تخصيص مقاعد للأحزاب في تناقض غريب مُريب؟! ثمّ دَعونا نتساءل مراراً، كيف لفرد أن يقود برنامج عمل ناجح ومؤثر، ويُشكّل حكومة برلمانية؟! فهذا محضُ خيال وأوهام لا يمكن تحقيقه في المدينة الفاضلة، ثم إنّ التَّهكم بأن مُخرجات اللجنة تتيح للأحزاب سهولة التشكيل، يدعونا فعلاً للحيرة، فماذا تريدون؟ هل المطلوب وضعُ عراقيل أمام تشكيل الأحزاب؟ أم تمهيد الطريق وتعبيدها وتأطير العملية التي تُمكِّنها من الوصول إلى البرلمان؟

عجباً، ما نراه ونسمعه، نُطالب بحكومات برلمانية حزبية، ثم نُطالب بحصصٍ أوسع للدوائر الانتخابية، على حساب الأحزاب التي تُمثّل تسع دوائر انتخابية وفق القانون، ثم نعترضُ على فكرة منح الأحزاب مقاعد خوفاً على الهوية الوطنية، علماً أن ما يتمّ تخصيصه للأحزاب لا يؤثر على نسب بقيّة الدوائر الانتخابية بأيّ شكل من الأشكال، ثم إنّ الحديث عن الهوية الوطنية ضمن مفاهيم ضيّقة، أمرٌ ما عاد يجد آذاناً صاغيةً من الناس، فالجميعُ في مرحلة وعي ولدى أبناء شعبنا إدراك وتجربة، بات يعرف معها أنّ كلّ محطة إصلاح وتطوير يبثُّ معها البعض مخاوف لا تتعدى كونها بالوناتٍ، سُرعان ما تهبط أو تركن في زوايا الفراغ.

لم يَعد حديث ما يطلبه القابعون خلف شاشات الوهم عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ذا نفعٍ أو جدوى، فالدولة التي تمضي قويةً وهي في مئويتها الثانية، تحتضنُ كلّ المواقف والاتجاهات، وترحّب بكلّ نقدٍ ومسعًى ينطلقُ من أجندة وطنية، فالدولة لا تُجبر الناس على الانخراط في الأحزاب، فما لدينا من مُخرجات للجنة يُبقي 97 مقعداً يختار منها الناس ما يشاؤون من مستقلين وحزبيين، ثم علينا الإدراك أن ما تمّ وضعه من عتبة (2.5%) للأحزاب في القوائم، يُحقّق الغاية من تفعيل لدور حقيقي للأحزاب، وفكرة أنّ العتبة تُشكّل طريقاً سهلاً لوصول الأحزاب للبرلمان، مسألةٌ غير علمية وليست دقيقةً أبداً، ففي عملية انتخابية يُصوّت بها مليون ونصف المليون، فإنّ على الحزب الحصول على قرابة أربعين ألف صوت، فكيف يقول البعض إنّ بذلك هضمٌ لحقّ المحافظات على حساب الأحزاب، مع العلم أن عدداً كبيراً من الأحزاب، اعترض على هذه العتبة، ورأى فيها عائقاً أمام وصولها للمجالس النيابيّة.

إنّ فكرة تخصيص مقاعد حزبيّة، فكرةٌ رائدةٌ، ويجب أن لا ننسى أنها كانت مطلباً لجميع القوى الإصلاحية والسياسية، وما التخوُّفات من حصد محافظة لأغلب مقاعدها كالعاصمة، إلا محضُ قراءة غير علمية، رغم أن هذا وإن تحقّق، ليس بعيبٍ ولا عورٍ في العملية الديمقراطيّة، وعلينا أن نتذكّر بأنّ تجربة انتخابات 2013، حصدت فيها محافظة الكرك خمسة مقاعد من أصل المقاعد الـ27 على مستوى المملكة.

ثمّ لماذا يَتناسى البعض ما خرجت به اللجنة من مقترحات وتوصيات غاية في التقدُّم، وتشكّل مدماكاً حقيقياً لبناء ديمقراطي يُنادي به الجميع، فالمُخرجات لم تحرم الموظف العام من حقّه بالعودة لعمله، في حال أخفق في الانتخابات، وفي هذا إحقاقٌ وإنصافٌ وطيٌّ لملف ترشُّح المقتدرين من أصحاب الأموال فقط، مثلما تمّ رفع القيد عن أبناء البادية بحيث يُمكنهم الترشُّح على الدوائر المحلية الأخرى، كما تمّ وضع سقوفٍ لتمويل الدّعاية الانتخابية لمحاربة المال الفاسد وتَحييده، مثلما نصَّ القانون وفق المُخرجات على عقوباتٍ تصلُ للفصل من مجلس النواب، في حال ارتكاب أيّ مخالفةٍ، أو الاستفادة من المال الأسود، أو غشّ أو تلاعب، أو الحصول على مصادر تمويلٍ غير مشروعٍ، كما أن المُخرجات تضمّنت مسألةً في غاية التقدُّم، تَحول دون أيّ محاولاتٍ لابتزاز الأحزاب أو المُشاغبة عليها، تتمثّلُ بأنّ المقعد النيابي الفائز على القائمة الحزبيّة والبرامجيّة يكون مُلكاً للحزب، أي أنّ النائب المُترشح من خلال القائمة الحزبيّة يفقدُ مقعده، ويذهبُ لمن يَليه في القائمة في حال تمّ فصله من حزبه، حسب الأنظمة الداخلية للأحزاب.

إنّ ما تمّ إنجازه يدعو للتفاؤل، وعلينا أن نقفَ في خندق الوطن، فما تمّ تقديمه للأحزاب من أجل الوصول لغاية الحكومات البرلمانيّة الحزبيّة، يُعدّ تقدماً يستحق الدّعم والإسناد، ففكرةُ توزيع المقاعد بما يتعلّق بالقائمة الوطنيّة للأحزاب التي تجاوزت العَتبة، يُغنينا عن شرِّ الابتزاز للأصوات الضّائعة، التي غالباً ما تكون مدعاةً للمُقايضات، مثلما أنّ المُخرجات تضمّنت فكرةً رائدةً بإتاحة تَشكيل ائتلافات حزبيّة، أثناءَ الترشُّح وقبل الانتخابات وليس بَعدها.

مُجمل القول، إنّ ذوبان الهويات الفرعيّة مَساره تأطيرُ أحزاب برامجيّة، ومن المنطقِ أن يكون هنالك تخوفاتٌ من مُخرجات اللجنة، وعدم وجود تلك التخوُّفات ليس طبيعياً، لكن التخوُّفات المُغلفة بالاتهاميّة ليست مقبولةً، فمن انضوَى في عضوية اللجنة هم أبناءُ بلدٍ، وأصحابُ كفاءاتٍ وخبراتٍ، اجتهدوا وقدَّموا سواءً أصابُوا أم أخطأوا، فهنالك محطةٌ دستوريةٌ مُمثلةٌ بمجلسِ الأمّة، مُناطٌ بها تعديلُ ومناقشةُ وإقرارُ القَوانين.

عن جريدة الدستور الاردنيه

التعليقات على خبر:  ذوبان الهويات الفرعية مساره تأطير أحزاب برامجية

حمل التطبيق الأن