صراع التجارب الفكرية والسياسية

صراع التجارب الفكرية والسياسية

  • صراع التجارب الفكرية والسياسية

اخرى قبل 2 سنة

صراع التجارب الفكرية والسياسية

بكر أبوبكر

 

 في السياسة مباشرة والحداثة بالتجربة التونسية، فممّا لا شك فيه أن تونس عانت كما في المشرق بين التغريب والحداثة المرتبطة برفض القديم الى درجة متطرفة، ومن التمسك بالقديم الى درجة رفض الجديد، وبدا الصراع شديدًا بين المفكرين المجدّدين والتقليديين ليتخذ الساسة مسار الحبيب بورقيبة بالتغيير والتحديث المثير للجدل في ذاك الوقت أوائل القرن العشرين وحين الاستقلال عام 1956م وحتى اليوم.

في تونس وعلى الصعيد السياسي الفكرى وجدنا صراعًا كبيرًا بين فكرة العروبة والاسلام والانتماء للأمة العربية والحضارة الإسلامية وبين روّاد الاتجاه غربًا وتبني العلمانية بالمواصفات التي تخفّف من وطأة التقاليد والفكر النصوصي الجامد، ولدى البعض الى الدرجة التي يُنحّى فيه المعتقد عن المرجعية الفكرية، وفي الإطار السياسي النضالي وقع الصدام بين فكرة الكفاح المسلّح وفكرة العمل السياسي والمفاوضات فكان د.الحبيب ثامر وصالح بن يوسف من أصحاب منهج الكفاح المسلح، وكان بورقيبة من خط العمل السياسي والتفاوضي الذي أفضى للاستقلال، وظهر فرحات حشاد النقابي العريق.

في مقابل قدّيس الحركة الوطنية التونسية ومهندس المقاومة المسلحة العروبي المغاربي العظيم د.الحبيب  ثامر (1909-1949م) الذي ترأس الحزب الدستوري عام 1939م، والداعي لإلغاء الحماية الفرنسية وقاد الكفاح ضد الاستعمار، والذي جاب العالم للتعريف بالقضية التونسية ضد الاستعمار (سقطت طائرته في الباكستان عام 1949 فتوفي)، في مقابله نجد المؤسس للدولة الحبيب بورقيبه الذي اختلف معه رغم اعتباره له الزعيم، إذ كان بورقيبة من أكبر المتمسكين بالوطنية أو (الأمة التونسية) مقابل دعوة العروبة أو غيرها، وهو ذاته أي بورقيبة الذي آمن بأفكار الطاهر حداد في تطوير الفكر الإسلامي في القوانين الشخصية، فحرّر المرأة وحققّ مكتسبات مدنية أو علمانية لتونس كانت مثار جدل كبير وربما مازالت لدى بعض الاوساط، وأصبحت اليوم نموذجًا يحتذى أو يُقارن به.

على صعيد الفكر النضالي التونسي نجدُ أنفسَنا كفلسطينيين خاصة مع بدايات انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة وما سبقها في كفّة ترجّح العمل الكفاحي المسلح ما هو مرتبط عربيًا بالتجربة الجزائرية العظيمة على عكس التجربة التونسية التي حققت نتائجها بأقل قدر من الكفاح المسلح، وأكثر قدر من السياسة والتفاوض كما فعل بورقيبة على عكس رأي زملائه- وخاصة زميله بالحزب الدستوري صالح بن يوسف- واللذان اختلفا على الاستقلال المرحلي حتى تبودلت بينهما الاتهامات واستخدم الحزب لحسم الخلاف بين الطرفين ما كان لصالح بورقبية.

المهم بالمسالة أن خط المزيد من الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي لم يفز أمام خط بورقيبة المعتدل، ما كان لاحقًا من صيرورة الثورة الفلسطينية التي ما إن استقبلها بورقيبة عام 1982م مرحبًا بالأحضان حتى هبّت عليها رياح الاعتدال وفهم الواقع بعيدًا عن الحماسة والعواطف الجياشة من بوابة واسعة، مما قاله بورقيبة عام 1965 للفلسطينيين في أريحا.

في التجربة التونسية اعتبر الفدائي صالح بن يوسف أن هناك ضرورة لمواصلة الكفاح المسلح لاسيما وأن اتفاقيات الاستقلال (عام 1955) كانت برأيه ناقصة متهمًا خصمه بالعمالة للغرب وأنه ضد العروبة والاسلام، وظل الصراع بين التيارين محتدمًا حتى تم اغتيال بن يوسف في ألمانيا عام 1961م.

 

#بكر_أبوبكر

التعليقات على خبر: صراع التجارب الفكرية والسياسية

حمل التطبيق الأن